الحلم الأول .. كيف بدأ؟
قبل سنوات طويلة كنا نجلس في مقاعد المدرسة صفوفاً. يدخل أستاذ اللغة العربية ليفتتح عامنا الدراسي الجديد بسؤاله المعتاد: ماذا تود أن تعمل عندما تكبر؟ وأي كلية تحب أن تدرس بها؟
كانت إجاباتنا متشابهة ومحصورة في ثلاث أو أربع مهن ووظائف تقليدية: طبيب.. مهندس.. ضابط
وبعد سنوات أخري قضيناها في التعليم ومضينا فيها حياة ممتلئة بالأحداث والوقائع تغيرت نظرات الكثيرين منا إلي مستقبلنا وتبدلت طموحاتنا، وقليل منا من حقق حلمه الأول.
التطور
ظل حلم الكتابة والتأليف يكبر معي حتي بلغت المرحلة الثانوية في التعليم قبل الجامعي. حتي سمعت لأول مرة بإحدي الأعمال التليفزيونية عن كلية الألسن وعن دراسة اللغات والترجمة. عندها تبلور الحلم بداخلي ليصبح يافعاً راشداً.
عكفت طيلة سنواتي الثلاث التالية علي الاهتمام باللغات الأجنبية والتركيز في دراستي من أجل تحقيق الدرجات العليا التي تبلغني وجهتي. وفي عام 2001 وطأت قدمي لأول مرة كلية الألسن بجامعة عين شمس القابعة بحي العباسية.
كنت مبهوراً بمبانيها العالية رغم بساطة تصميمها وكذلك المكتبة العامرة التي أعانتني علي إنجاز الكثير من الأبحاث الدراسية ومشاريع التخرج.
وفي تلك السنوات الأربع التي قضيتها بالكلية أصبح المآل محسوماً: أن أعمل مترجماً وأن تنشر ترجماتي في كل أنحاء العالم ويتردد اسمي في المحافل والمنتديات كأحد المترجمين المؤثرين مقتدياً بأساتذتي ومعلميَّ.
المحاولات الأولي
حاولت كثيراً تحقيق هذا الأمل الذي تكسر مرات ومرات علي أعتاب دور النشر والترجمة بمصر. مما دفعني إلي حفظ ملف قضيتي في أدراج مكتبتي لحين إشعار أخر. بدأت بعدها أعمل في مجال الاتصالات وتفوقت فيه بالرغم من أنه كان بعيداً تمام البعد عن دراستي ومغايراً لكل أحلامي وطموحاتي.
ولكن كان عزائي قلة أعداد الواصلين. وحسبي أني حققت بعضاً مما كان يتردد بداخلي من خلال دراستي التي لم يجبرني عليها نظام التنسيق العام الذي يلي المرحلة الثانوية ويسبق الجامعة مباشرةً.
طاقة النور
في كل يوم كنت أرجع إلي بيتي وأدخل مكتبتي أنظر في أوراقي وأستعيد أعمالاً كنت قد أضنيت نفسي وأفنيت وقتاً طويلاً في ترجمتها فور تخرجي، ولكن لم يكتب لها الظهور إلي نور الحياة بعد. إلي أن جاء اليوم الذي فُتح لي فيه باب من الأمل. كنت أتصفح إحدي المجلات الثقافية التي تصدر بدولة الكويت الشقيق، ولفت نظري أسماء المترجمين والكتاب الذي وردت أسماؤهم في فهرست المجلة، فتخيلت اسمي بينهم، ولم لا؟!!.
علي الفور أعددت قصة متميزة للكاتب الإسباني الشهير “لويس ماتيو دييث“، ثم أرسلتها إلي المجلة بلا تردد، وفرحت فرحاً شديداً عندما رأيت اسمي في فهرست العدد التالي. عندها علمت أن لكل أجل كتاب. ولا أقصد بالأجل الموت وانتهاء الحياة، وإنما الوقت الذي تبدأ عنده الأشياء تتحقق، وكل أمر يحدث في تلك الحياة هو مكتوب ومؤقت بتوقيتات محددة.
استعادة الأحلام
أخرجت كل الملفات المحفوظة ورتبتها ونسقتها وراسلت كل دار للنشر سمعت بها، ولم أكد أصدق عندما راسلتني إحدي تلك الدور للتعاقد علي نشر أول كتبي. توقف بي الزمان للحظات لأتذكر يوم تخرجي الذي تحطمت فيه أحلامي، وسنوات من التردد بين أعمال المبيعات والتسويق والتجارة وغيرها.
قد تنجح في حياتك العملية ولكن لا يساويه فرحةً نجاحك بالوصول إلي حلمك الأول وإن كان بسيطاً وإن كان صغيراً وإن كان متواضعاً.
فإما أن تجعل من عملك شغفك، أو أن تحارب من أجل الوصول إلي أول نقطة ولدت فيها طاقة الأحلام بداخلك. وإياك أن تقتل هذا الحلم أبداً مهما لاقيت ومهما طال بك الزمن.