الطفل والطير في السماء

0 370

الطفل والطير في السماء

“علي يساري برد وشتاء ومنحدرات..
بداخلي طفل عابس..
الأمطار الرقيقة تبكي على حالي،
والغيوم تخنق الشمس في كبد السماء..
إذا ذهبت الحيل وسقط القلب تسقط معه كل خطايا الماضي ..
لو كان لي أن أحلق عالياً مثل الطيور المهاجرة وأهبط علي قصص وحكايات سعيدة..
وأترك خلفي منابع الغضب والكراهية،
والمياه الرمادية العكرة،
والأرض الصماء والجبال الجوامد..
الربيع آت بالتأكيد يوماً..
يوماً ليس من أبناء تشرين ولا أحفاد تموز..
يوم كالطفل العابس عند المنحدرات..”

الطفل والطير في السماء
الطفل والطير في السماء

اعتاد الإنسان منذ قديم الأزل الهروب.. الهروب من الذات.. من الواقع المرير.. من مساوئ الحياة.. من الذنوب والمعاصي.. من روح الكراهية والغضب.. إلخ، ولكل منا لحظة هروب يسبح فيها وسط أمواج مخيلته التي تحمله بالتبعية إلي أرض فضاء شاسعة، والهواء الطلق بعيداً عن ضيق الواقع الذي يقيد حركته، ولربما خال نفسه طائراً سابحاً في جو السماء فلا يخضع لأحد ولا يذعن لمخلوق. فليس أفضل من أن تكون طائراً حراً طليقاً في السماء أو طفلاً بريئاً لا يحمل هماً علي الأرض.

ولعل أمر الهروب هذا يكون أحد العوامل الأساسية التي ساعدت علي انتشار مواقع التواصل الاجتماعي بين الناس صغيرهم وكبيرهم، رجالاً وشباباً ونساءاً من أجل الهروب إلي “العالم الافتراضي” الذي يبني فيه الإنسان حياة جديدة مليئة بشتي ألوان النعيم الذي يدخل السرور والسعادة علي القلب: المال (بكافة أنواعه وأشكاله).. النفوذ.. الأصدقاء.. المحبة والقبول بين الناس.. إلخ.

الطفل والطير في السماء
الطفل والطير في السماء
الطفل والطير في السماء

ولكن العجيب حقاً أن يهرب الأطفال من واقعهم البرئ الملئ بالبهجة والمتعة إلي هذا العالم الافتراضي الوهمي!!! فلا أسوء من أن يستبدل أحدنا الضرر بالمنفعة خاصة وإن كان في أول مراحل حياته. وبالرغم من إطلاق بعض مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك تطبيقاً خاصاً بالأطفال دون الثالثة عشر من العمر، إلا أن الدراسات مازالت تؤكد علي أن الإفراط في استعمال مواقع التواصل الاجتماعي وكذلك الأجهزة الإلكترونية مضر جداً للأطفال والمراهقين، كما يعيق النمو الصحي للأطفال ويسبب تأخرهم الدراسي.

وقد حذرت إحدى الدراسات الأمريكية التي أجرتها الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال قبل سنوات مستخدمى الإنترنت خاصةً صغار السن من احتمالات وقوعهم فريسة لما أطلقت عليه بـ “اكتئاب الفيسبوك”. وقد كشفت الدراسة عن أعراض اضطراب نفسى تسيطر على بعض الأطفال يجعلهم كالمصابين بالهوس يترددون كثيراً جداً على صفحاتهم على الفيسبوك لمتابعة آخر التعليقات والمشاركات بوجه عام.

وقد أضافت الدراسة أن هؤلاء المصابين بهوس أو إدمان الفيسبوك “يقومون بالتلصص على صور الأصدقاء وأحياناً ينخرطون فى أنشطة لم يدعوهم إليها أحد من الأساس، وهو ما قد يسبب لهم حالة من القلق والحصر النفسى وشعور بالدونية يبعث على الإحباط لدى الأشخاص الذين يعانون من انخفاض احترام الذات”.

أضف إلي ذلك العديد والعديد من المخاطر الأخري التي قد تهدد حياة الطفل فضلاً عن الشباب مثل: الانطواء والعزلة.. الخلط بين الصديق الحقيقي والافتراضي.. الإدمان عليه لساعات طويلة والجلوس الذي يولد مخاطر مثل السمنة والكسل.. الميل للثقافات الأخرى والبعد عن ثقافته وتراث بلاده.
ولذا وجب التنبيه علي أهمية تقنين استخدام التكنولوجيا الحديثة خاصةً في مراحل الطفولة الأولي وفترة المراهقة حتي لا تتشوه شخصية الطفل أو الشاب ويصبح مثل هيكل عظمي بلا عقلٍ واعٍ أو قلب مدرك فنخسر رصيدنا من الاستراتيجي من العقول والسواعد التي تحمل آمال أمتها علي عاتقها. ولعل ذلك اليوم يأتي لنهرب فيه من هذه الخطاطيف الإلكترونية التي تجذبنا نحو ضيق العوالم الافتراضية إلي سعة الخيال وجنة الطيور الفسيحة في سماء الله فنكون في الأرض مثل الطفل والطير في السماء.

مواضيع اخري مميزة
1 od 2 |

Facebook Comments Box
اترك تعليق