انتشرت في الآونة الأخيرة العديد من الكتب التي تتحدث عن لغة الجسد وكيفية قراءتها بصورة صحيحة. ولأني أحب اللغات علي اختلاف أنواعها وأصنافها، ومثل من هم في مثل سني فقد دفعني الفضول إلي اقتناء أحد أقوي الكتب في هذا المجال: “المرجع الأكيد في لغة الجسد” لآلان وباربرا بييز.
بالفعل وجدت متعة لا مثيل لها كأول مرة أقرأ في هذا المجال، مما دفعني إلي اقتناء المزيد من الكتب الأخري التي تتحدث عن لغة الجسد بل وعلم الفراسة كذلك لما بينهما من مساحات كثيرة مشتركة. واكتشفت أن هذا العلم “لغة الجسد” أصبح من العلوم المطلوبة عند كثير من الفئات، بل وقد يصل الأمر إلي حد الاعتماد علي هذا العلم بصورة أساسية في تحقيق نجاحات عملية: السياسيون والاقتصاديون ومسئولو المبيعات والمديرون التنفيذيون والمدربون المحترفون.. كل هؤلاء أصبحت لغة الجسد لديهم أساساً لا يمكن الاستغناء عنه. وكم من مرشح استطاع أن يكتسح منافسيه، وكم من مسئول مبيعات تمكن من تحقيق المبيعات المطلوبة منه مسبقاً، وكم من مدرب أو معلم تفوق علي أقرانه باحتراف في إيصال علمه إلي طلبته بفضل الاستخدام الأمثل للغة الجسد.
ولكن هناك أمر دائماً ما يغفله منظرو هذا العلم. أمر قد يقلب الموازين كلها رأساً علي عقب إن أخذ بعين الاعتبار: لا ينبغي أن يُعتمد فقط علي الإشارات الجسدية والحركات والنظرات، فالأمر ليس مجرد إطلاع علي نظريات وحفظ عدد من الحركات وتنفيذها أو وضع قوالب محددة لقراءة الإشارات التي ترسلها أجساد الأخرين.
فقبل أي شئ لابد لقارئي لغة الجسد ومن يرغبون في احتراف هذا العلم بالصورة المرجوة أن يهتموا بمسألة لا تقل أهمية، ألا وهي: مسألة تهذيب الروح. فلكي تصبح قارئاً جيداً لمن حولك ولكي تتمكن من تفسير سلوكياتهم وتصرفاتهم تجاهك أو تجاه غيرك لابد أن تنقي الروح وتهذبها لتسلم أحكامك بغير حيدة أو انحراف. فلا يُحكم علي شخص أنه سئ لمجرد أنك لا تحبه أو لأنك تجد في نفسك منه، استناداً علي حركة من يده أو تعبيراً ارتسم علي وجهه.
ولذا نجد أن الأطفال لديهم حس نقي تجاه كل من يحيطون بهم، فيبكون إذا اقترب منهم شخص سئ و يسكنون في أحضان أمهاتهم. وإذا ما نظرنا في التاريخ سنجد أن من عُرفت عنهم الفراسة والنبوغ في قراءة الشخصيات التي يتعاملون معها كانوا يشتهرون بسلامة القلب وطيب النفس. ويكفي أن نذكر الإمام الشافعي كخير مثال علي ذلك.
يُحكي أن الشافعي مر ذات يوم برجلٍ بفناء داره فتوسم الشافعي فيه الخبث. ولكن الرجل أكرم الشافعي وأسكنه داره وصنع له طعاماً وجهز له الفرس، فقال الشافعي في نفسه: “ربما أخطأت فراستي هذه المرة”. وفي صبيحة اليوم التالي عندما هم الشافعي بالرحيل اقترب منه هذا الرجل وطلب منه أجرة نومه وإطعامه وسرج فرسه. عندئذٍ تبسم الشافعي لتأكده من صدق فراسته في الانطباع الأول وأعطي الرجل أجرته وانصرف.
سلامة الصدر والنفس يخلفان نقاءاً في البصيرة وسداداً في الرأي.