الرضا بالمقسوم والتطلع إلي ما في أيدي الغير
حال الإنسان في هذه الدنيا الغريب: يغفل عما في يده من نعم ويتطلع إلي المزيد من النعم التي منحها الله غيره. وتلك غريزة في البشر من لدن آدم عليه السلام إلي قيام الساعة، فلقد تطلع آدم وزوجه حواء إلي شجرة الخلد، ولا شك أن الله سبحانه وتعالي قد أنعم عليهما في الجنة بأفضل وأحسن منها. وقد أبدع عباس محمود العقاد في التعبير عن هذا المفهوم في رائعة من روائعه الشعرية حين قال:
صغير يطلب الكِبَر ** وشيخ ودّ لو صغر
وخال يشتهى عملا***و ذو عمل به ضجر
ورب المال فى تعب ** و فى تعب من افتقر
ويشقى المرء مهزوما ولا يرتاح منتصرا
وذو الاولاد مهموم ** و طالبهم قد انفطر
ومن فقد الجمال شكى ** وقد يشكو الذى بهـر
فهل؟ حاروا مع الاقدار ** أم هم حيروا القدر؟
شكاة مالها حكم ** سوا الخصمين إن حضرا
فحال الصغير التطلع إلي الكبير وكيف يصبح مثله في فعله وقوله وحتي شكله ومظهره، وحال الكبير إذا ما نظر إلي من هو أصغر منه سناً تمني الرجوع بالزمن إلي الوراء عشرات السنين إما ندماً علي فعلة فعلها أو طمعاً في المزيد من الحياة. وهكذا الأمر مع الفقير والغني، العامل والعاطل، ذو العيال والعقيم..إلخ.
الرضا بالمقسوم والتطلع إلي ما في أيدي الغير
ولو تأمل كل واحد منا حال صاحبه لوجد أنه في نعمة يحسده عليه من حرم منها، وقد صدق القائل: “الصحة تاج علي رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضي”.
ولذا ينبغي أن نعلم أن كل شئ خلقه الله في هذه الحياة خُلق بقدر معلوم وبحكمة متناهية. ففي كل مرحلة من مراحل حياة الإنسان يمر بأحوال تختلف عن المرحلة التي تسبقها أو التي تليها،
فإن صرف الإنسان عن مخيلته تمني ما في أيدي الآخرين وحاول التأمل في النعم التي بين يديه وحفظها بالشكر مع الاستزادة من خيرها فإنه ينعم ويحيا سعادة قلبية لا مثيل لها ألا وهي سعادة الرضا بالمقسوم، فضلاً علي أن القانع والراضي يحبه الله ويحبه الناس لأن عينه علي الآخرة لا علي ما في أيدي الناس من زينة الحياة الدنيا.