عقل وروح وجسد
“يميل مؤشر البنزين إلي أقصي اليسار، ينحرف آدم متتبعاً إرشادات “جهاز تحديد المواقع” GPS للوصول إلي أقرب محطة للوقود.. يقترب العامل بالمحطة من أحد جوانب السيارة.. ينزع الغطاء فيكشف عن فوهة “التانك” ويشرع في عمله فيتبعه عداد الماكينة المثبتة خلفه في سباق رقمي محسوب.
يسرع عامل أخر بابتسامة خفيفة إلي التقاط قطعة قماش مهترئة من حقيبة صغيرة شدت علي خصره.. ويلقي بها علي الزجاج الأمامي للسيارة ليزيل الأتربة ويتيح للمسحوق السائل فرصة العمل بسلاسة علي السطح الزجاجي، ثم لا يلبث أن يتتبع بقع السائل بممسحة صغيرة تزيل كل ما في طريقها من شوائب أو أبخرة. ينهي العامل الأول مهمته في لحظة توقف فيها العداد وسكنت الممسحة لينطلق علي إثرها آدم بالسيارة إلي منطقة الفحص السريع.
يلقي أحدهم نظرة سريعة علي المحرك والإطارات وبعض التوصيلات. يطمئن ثم يغلق الغطاء الأمامي علي العائلة الميكانيكية المعقدة ويشير بإبهامه لأعلي إيذاناً بالتحرك مع نصف ابتسامة داعبت صدغه الأيمن. يدير آدم مفتاح التشغيل وينطلق مستكملاً رحلة لا يعلم متي تتوقف ..”.
بنزين .. محرك .. إطارات وزجاج وهيكل خارجي.
لم يكن هذا التكوين إلا إلهاماً من الله عز وجل لبني آدم عندما هُدي إلي إختراع السيارة. إلهام يجسد عملياً روعة صنيع الله وحكمته في تقويم الإنسان من جسد وروح وعقل. وخلافاً لما كان شائعاً بأن الإنسان ليس إلا روح أسكنت الجسد فكانت النفس، فقد ثبت أن العقل وما كلف به من إعمال التدبر والتأمل كوسيلة تعليمية ربانية أُمرنا بها، هو الضلع الثالث لهذا الكيان المعجز في خلقه. فالإنسان ليس مجرد روح وجسد فقط. ولأن منهج الخالق سبحانه لعمار الأرض يقضي بالتوسط في الأمور كلها وتحقيق التوازن في التعامل مع سبل الحياة وأسبابها، فالأولي لنا أن نطبق هذا التوازن علي محاور المنظومة الثلاث اهتماماً ورعاية وصيانة.
لا نكاد نوصي المقربين منا أو غير المقربين بصون الجسد والحفاظ علي سلامته إلا إذا اعتراه؛ لا قدر الله؛ مكروه أو مسوءة. ولا نكاد نفعل الأمر ذاته إذا كان المصاب يمس الروح أو القدرات الذهنية والعقلية. بالرغم من كونها المحرك الأساسي والوقود اللازم لتسيير حياة الفرد. ولا ينبغي أن نتعجب إذا ما توقفت السيارة عن الحركة وأخلدت إلي الأرض وقد نفد وقودها أو عطب محركها. فما أصابنا من عاصفة ابتلاءات نفسية وعصبية أودت بجمعٍ كبير من شبابنا في وادي الاكتئاب المظلم وتيه الشتات المحبط، ليس إلا نتاج الخلل الذي أحدثناه نحن أنفسنا في هذا الصرح البشري الثلاثي الأبعاد – إن صح التعبير .
العناية بالجسد طعمة وشربة وتعهد بالنظافة مطلوب، ولكن بغير تنحية لمتطلبات الروح من تعبد ومناجاة وتأملات كونية وتريض، فتلك بمثابة الطعمة والشربة في حق الروح.
وفي الحال المثالية يحتل العقل مكانه ومكانته في منظومة التوازن، ويلق نصيبه من حق في التعلم والمعرفة والإطلاع.
أمانة الله لا تكتمل صيانةً إلا بالعدل في القسمة بين الروح والعقل والجسد، لنسلم من آفات وأمراض وبلاءات تصيب ليس الفرد وحسب بل المجتمع ككل.
والله في عون العبد ما صلُح وأصلح.