علمني الكتاب: من حرق مكتبة الإسكندرية؟

علمني الكتاب: من حرق مكتبة الإسكندرية؟
0 278

هل تعلم من حرق مكتبة الاسكندرية؟

في نهاية القرن الأول قبل الميلاد وبعد احتلال “يوليوس قيصر” للإسكندرية، واجهته ثورة انتصاراً لبطليموس الثالث عشر، ولما كان محاصراً فى حي البروكيوم، لم يجد أمامه إلا حرق الأسطول المحاصر، فامتدت ألسنة اللهب إلى دار صناعة السفن، وما جاورها من المباني، وتسبب ذلك في حرق مكتبة الإسكندرية الكبري وضياع أكثر من 400 ألف كتاب مخطوط في كافة العلوم والآداب. ثم استطاع طغاة الرومان من بعده أن يسكتوا كل المؤرخين والأدباء والشعراء (ومنهم الفيلسوف والأديب اليوناني الشهير شيشرون) كي لا يتحدثوا عن تلك الكارثة التي تعد أسوء كارثة علمية علي وجه الأرض في تلك الفترة وما تلاها. وبعد الفتح الإسلامي لمصر ألصق بعض الأساقفة تهمة حرق المكتبة بالعرب الفاتحين في القرن السابع الميلادي (أي بعد مرور أكثر من 7 قرون علي الحريق!!!!).

ولكن اليوم يحاول الكثير من علماء ومستشرقي الغرب التحقق من تلك القصة وتبرءة العرب من تلك الفرية فضلاً عن  توثيق حادثة حرق مكتبة الإسكندرية بذكر فاعلها الأصلي “يوليوس قيصر”. ومن الكتب التي ترجمت حديثاً حول هذا الأمر الكتاب القيم “مكتبة الإسكندرية – فك طلاسم اللغز” لـ “بابلو دي جيفنوا” الصادر عن المركز القومي للترجمة بالقاهرة ترجمة أستاذنا الفاضل د.علي المنوفي.

فائدة: مهما تكالب الطغاة والمفسدون علي الحق فإنه سيظهر ويجلو للناظرين ولو بعد حين.

أثناء التتبع التاريخي للقضية تلفيق حادثة الحريق وجدنا أن أول من ألصق حرق مكتبة الإسكندرية بعمرو بن العاص كان المؤرخ المصري سعيد بن البطريق ثم نقلها عنه باقي مؤرخي العرب غير المدققين والغرب الموتورين كما ذكرت د. زيجريد هونكه في كتابها (الله ليس كمثله شئ) والصادر أيضاً عن المركز القومي للترجمة بالقاهرة.

من حرق مكتبة الإسكندرية
علمني الكتاب: من حرق مكتبة الإسكندرية؟

قضية حرق الكتب علي يد عمرو بن العاص تم تفنيدها ودحضها بالأدلة التاريخية والمنطقية من قبل علماء متخصصين من العرب والغرب أمثال: المؤرخ الفرنسي جوستاف لوبون، وجاك ريسلر، وألفريد بتلر، وزيجريد هونكه، وعزيز سوريال عطية، وعباس العباس، وعبدالرحمن بدوي وغيرهم.

وبعد البحث والتقصي توصلنا إلي بعض الأدلة التي اعتمد عليها هؤلاء المنصفين في دحض تلك القصة أسرد منها ما يلي:

1- أن الرواية المزعومة التي تتهم عمرو بن العاص بحرق الكتب لم تظهر إلا بعد ستة قرون كاملة من دخول عمرو بن العاص مصر وليس لها أي أصل تاريخي موثق قبل ذلك مما يشكك في صحتها من وجهة نظر تاريخية، كما أن الذي ذكر تلك القصة هو عبد اللطيف البغدادي الذي أتي إلي مصر وأنه ذكر تلك القصة بناءاً علي ما سمعه من عامة الناس مما يؤكد أن تلك القصة لم تكن مستندة علي أصول تاريخية موثقة.

2- أن الشخصية التي تدور حولها قصة حرق الكتب وهو يحيي النحوي الإسكندراني والذي طلب الكتب من عمرو بن العاص مثبت أنه توفي قبل الفتح بنحو 30 أو 40 عاماً ولا خلاف علي ذلك.

3- ويؤكد ذلك أيضا أن المؤرخين الذين زارو مصر في القرنين الخامس والسادس (أي قبل دخول العرب المسلمين إلي مصر مباشرة) لم يشيروا إلي وجود مكتبة بل كلهم أكدور أنها حرقت قبل ذلك بقرون طويلة، مما يؤكد أن عمرو بن العاص لم يجد مكتبة في الأصل كي يحرقها.

مواضيع اخري مميزة
1 od 2 |

4- في عام‏ 628‏ م وبعد انتصار الرسول والمسلمين علي سلام بن مشكم زعيم خيبر كان من الغنائم صحائف التوراة وكتب اليهود أمر الرسول بتسليمها إلي يهود خيبر‏،‏ وهذا يدل علي أنه ليس من سياسة الإسلام حرق كتب ومكتبات الآخرين وإلا كانوا قد احرقوا كل المكتبات في بيت المقدس‏،‏ وفي دمشق وفي الشام‏,، ولذلك فإن خبر أو واقعة أن عمرو بن العاص هو الذي أحرق مكتبة الإسكندرية بعد استئذان الخليفة عمر بن الخطاب واقعة مكذوبة ولا أساس لها من الصحة لأن التاريخ ثابت والتاريخ لا يكذب‏.‏

5- دفع عمرو بن العاص للمصريين فى الوجه القبلى ثمن ما أتلفه الرومان فى هجومهم الثانى على مصر بسبب خطته التى كانت ترمى إلى سحب القوات الرومانية بعيداً عن الأسكندرية، فيستبعد أن يكون قد أتلف ممتلكاتهم وأموالهم إبراراً بعهده معهم.

6- رأى الرسول عليه الصلاة والسلام مع عمر بن الخطاب رقوقاً من الكتاب المقدس ولم يأمره بحرقها أو التخلص منها. كذلك سأل الرسول عليه الصلاة والسلام اليهود عن قول التوراة فى الزناة وقرأوا عليه من الكتاب الذى بأيديهم ، ولم يأمر أحداً بنزعه منهم أو حرقه.

7- أنشأ المأمون عام 830 م فى بغداد “بيت الحكمة” وهو عبارة عن مكتبة عامة ودار علم ومكتب ترجمة، ويُعد بيت الحكمة أعظم صرح ثقافى نشأ بعد مكتبة الأسكندرية، فيستبعد على مسلم أُمِرَ بالعلم والقراءة والبحث والتدبر أن يحرق كتاباً للعلم.

8- قيام الكثيرين من العرب بدراسة اللغات الأجنبية وترجمة كتب بعض مشاهير العلوم فى العصر الأغريقى، وإرسال العلماء العرب (على نفقاتهم الخاصة) التجار إلى بلاد الهند وبيزنطة للبحث عن كتب العلم وشرائها .

9- كان العلماء المسلمين حريصين على اقتناء كتب العلم اليونانية و الرومانية ودراسة ما فيها. ومن أمثال ذلك رجل العلم العظيم موسى بن شاكر وأولاده الثلاث محمد وأحمد وحسن فى عصر الخليفة المأمون. وقد برعوا فى علم الفلك ودراسة طبقات الجو والرياضة. كما كانوا يرسلون أتباعهم إلى بلاد البيزنطيين على نفقاتهم لشراء الكتب وترجمتها والاستفادة من علومهم. ولو كان فى الإسلام نص ينهى عن ذلك لما اقترفوا إثم البحث عن العلم وترجمة الكتب وتعليم الغرب.

10- من المعروف أن المسلمين كانوا يعملون على نشر العلم منذ غزوة بدر، ولذلك كانوا يطلقون سراح الأسير إذا قام بتعليم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة.

11- حرص العلماء أمثال الخوارزمى على اقتناء كتب العلم الهندية وغيرها، فقد كان على علم بكتب بطلميوس عن جداول الحساب والجبر وهو من قام بتصحيحها.

12- ازدهرت حركة الترجمة إلي العربية مع نهاية الدولة الأموية وفي العصر العباسي، حيث شرع العلماء المسلمون يترجمون الكتب التي كانت بمكتبات دمشق وبيت المقدس وغيرها من البلاد التي فتحوها وأيضاً من مصر، فلو أن العرب يقومون بحرق الكتب والمكتبات بالبلاد التي يدخلونها لما وجد هؤلاء العلماء المسلمون المتأخرون ما يترجمونه عن الحضارات الإغريقية واليونانية والهندية القديمة.

13- ترجم ثابت بن قرة لبنى موسى عدداً كبيراً من الأعمال الفلكية والرياضية والطبية لأبولونيوس وأرشميدس وإقليدس وتيودوسيوس وأرستوطاليس وأفلاطون وجالينوس وأبوقراط وبطلميوس. كما أنه صحح ترجمات حنين بن إسحق وولده ثم شرع فى وضع مؤلفات ضخمة له، فوضع 150 مؤلفاً عربياً و 10 مؤلفات باللغة السريانية فى الفلك والرياضيات والطب. فهذا نموذج من النماذج المشرقة فى صفحات علم العرب وتقديسهم للعلم. فهل يصدق أحد العقلاء أن العرب المسلمين قاموا بإحراق مكتبة عظيمة مثل مكتبة الأسكندرية ثم بعد ذلك يتكبد علماؤهم مشقة البحث عن مؤلفات لنفس العلماء الذين حُرِقت كتبهم؟!!!

تلك هي أشهر الأدلة والإشارات التي يستند إليها في تفنيد قصة حرق العرب لمكتبة الإسكندرية، ولمن أرد الاستزادة والتحقق فليراجع آراء من ذكرناهم بالأعلي من المؤرخين والمفكرين المشهود لهم بالتوثيق والنظر في الأمور بعين فاحصة.

Facebook Comments Box
اترك تعليق