البصر والبصيرة وعين الروح

البصر والبصيرة وعين الروح
0 637

البصر والبصيرة وعين الروح

حاسة  البصر هي إحدي الحواس الخمسة التي تعد من أهم وأعظم النعم علي الإنسان، والتي لا يعادلها شكر ولا حمد. وهي نافذة من نوافذ المعرفة والإدراك الخارجي، فبالبصر ندرك وجود الأشياء من حولنا، ونحدد شكلها ونعلم وصفها. وكانوا قديماً يظنون بأن الضوء يخرج من العين ويسقط علي الأشياء فيضيئها فنبصرها.

إلي أن أتي الحسن بن الهيثم العالم العربي الذي أسس لعلم البصريات، فهدم تلك الفكرة البائدة تماماً وأثبت أن الأشياء هي التي تعكس الضوء فتلتقطه أعيننا فنبصر ونري. وقد دلل علي صحة تلك النظرية بأن العين لا تري وحدها في الظلام، ولكن لابد من وجود أشعة الضوء لتعمل عملها علي أتم وجه. وكلما زادت شدة الإضاءة كلما زادت كفاءتها.

وبالرغم من ذلك فإن رؤية الأشياء لا يعني إدراك كنهها بالكامل، بل يحتاج الأمر إلي حاسة أخري أعلي وأسمي ألا وهي البصيرة. فإذا كانت العين تبصر الشكل الخارجي فالبصيرة التي تنبع هي نور القلب فهي التي تمكننا من إدراك دواخل الأشياء.

وكأن العين لأنها عضو خارجي لا تدرك إلا ظاهر الأشياء، أما البصيرة – الملكة الداخلية – فهي تمكننا من إدراك حقيقة الأشياء، لأن لها القدرة علي اختراق الإطارات والزينة والمظاهر البراقة لتصل إلي ما هو أبعد من ذلك. ولذا يري الكثيرون أن البصيرة نعمة أعظم وأجل من البصر، يمنحها الله سبحانه لمن صفا داخله وأحسن سريرته فضلاً عن صيانة الجوارح والأعضاء.

وقد يطلق علي البصيرة مجازاً لفظة “البصر” لهدف بلاغي، يقول الله سبحانه وتعالي: “وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ”. فالمقصود هنا في الآية لا يقتصر علي مجرد النظر بالعين المجردة فقط، بل هو دعوة إلي التأمل والتفكر والتدبر التي دائماً ما يلفت القرآن انتباهنا إليها في كل مناسبة. فقد أفلح من تفكر وتدبر لأن إعمال العقل والفكر هو أحد المنجيات في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

مواضيع اخري مميزة
1 od 2 |

فكم من مآسي ومشكلات وقعت بسبب الهوة العميقة والفجوة الكبيرة بين البصر والبصيرة. فقد خلق الله سبحانه وتعالي فينا الجانب المادي والجانب المعنوي وكلاهما يكمل الأخر: الروح والجسد، البصر والبصيرة، الحاسة والجارحة.. إلخ، فتتجلي قدرة الله سبحانه وتعالي في خلق الإنسان المعجز، يقول الله سبحانه وتعالي: “لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ”.

العين تبصر والقلب يتفكر فتكمل الرؤية وتتضح، بل لا يتسغني في كثير من الأحايين عن البصيرة وإن كان البصر حاداً خارقاً. فقد ورد في الأثر أن لا جدوي لنور البصر إذا عميت البصيرة، ويقول الله عز وجل: “فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ”.

البصر والبصيرة وعين الروح
البصر والبصيرة وعين الروح

وقد ذهب بعض المنظرين إلي مستوي أبعد من ذلك بكثير، فذكروا أن للإنسان ثلاثة أعين: الأولي هي البصر والثانية البصيرة، أما الثالثة فهي عين الروح.

وعين الروح التي تعاين الحق عياناً محضاً، وتسمي تلك العملية بالمكاشفة، وهذا الأمر لايتسنى لكل أحد، بل يتحقق بعد أن يعتبر الإنسان ببصيرته ويدرك الصراط القويم ويجاهد نفسه علي أن يسلكه، بل وقد يفني نفسه في سبيله.

وهذا النوع من البشر هو الذي استطاع بفضل من الله أولاً أن يصفى نفسه من شوائب الدنيا، وينقي روحه من الضغائن والحقد والكره وكل مسوءة تلوث داخله وتُغشي طريقه. فمن أراد الوصول إلي تلك المراتب السامية في الإدراك والوعي فعليه التجرد التام من كل تلك المساوئ والشوائب والآثام، عندها يجلو نظر الروح فتبصر بعينها نور العظمة، وتشاهد بها العزة وتجذب القلوب إلى روضة الإيمان.

Facebook Comments Box
اترك تعليق