يحتل الجمال مكانة متميزة بين القيم الثلاث الرئيسية التي ترد إليها الأحكام التقويمية عند الفلاسفة منذ القدم: الحق والخير والجمال. وبالرغم من إجماعهم شبه المطلق علي تلك الثلاث إلا أنهم اختلفوا وتباينوا فيما بينهم تبايناً عظيماً حول تعريف الجمال ظاهراً كان أو باطناً، كما اختلف فلاسفة العرب والغرب في العصور القديمة والحديثة حول مفاهيم وعلامات الجمال.
وقد صور لنا الشعر أن عرب الجاهلية كانوا ينظرون إلي الجمال نظرة متزنة وشاملة، فكانوا ينظرون إلي الجمال عند المرأة مثلاً من زاويتين: حسية ومعنوية، وإن كانوا يميلون بعض الشئ إلي الناحية الشكلية. فمن جانب كانوا يُفضلون طول المرأة المتوسط، والأسنان المرتبة والبياض الناصع، والعيون الواسعة كعيون غزال المها، والشعر الأسود أو اللون الغامق، والشفاه الغامقة. ومن جانب أخر كانوا يمدحون مشية المرأة الهادئة الرقيقة، وحياءها وذكاءها، وشدة الملاحظة، والعفاف وصون النفس عن الفواحش.
وأما علماء المسلمين فأول من اهتم بهذا الباب وبدأت ملامحه تتبدي في كتاباته فهو الفارابي. حيث يري أن الجمال هو تحقيق القيم الخيرة في الأشياء الجميلة.
وربط ابن رشد الجمال بالفضيلة، وبكل ماهو خير ونافع و أن الجميل هو الذي يُختار من أجل نفسه، وهو ممدوح وخير، من جهة أنه خير. واعتبر أنه إذا كان الجميل هو هذا، فبين أن الفضيلة جميلة لا محالة لأنها خير وهي ممدوحة.
واتفق الفقيه والمتصوف أبو حامد الغزالي والإمام ابن القيم، على تقسيم الجمال إلى جمال ظاهري وجمال حسي. وأن الجمال الظاهر يدرك بالحواس، أما الباطن فيدرك بالبصيرة. فمن سلمت حواسه وبصيرته رأي الجمال علي حقيقته والقبح علي حقيقته، أما من فسدت جوارحه وعميت بصيرته فلا يمكنه أن يتلذذ أو يتمتع بالجمال علي أنواعه.
أما عن مناشئ الحسن والقبيح فقد ذكر التوحيدي في كتابه “المقابسات” أنها كثيرة؛ منها طبيعي، ومنها بالعادة، ومنها بالشرع، ومنها بالعقل، ومنها بالشهوة.
وفي العصر الحديث نجد أن لكل بلد مفاهيمه الخاصة حول الجمال وصفاته. منهم من يعلي الجانب المعنوي علي الحسي أو العكس: فمن جانب يفضل البعض البدينة ويميل أخرون إلي النحيفة، ومنهم من يعتبر الجمال في بياض البشرة وأخرون في سمرتها.. إلخ. ومن جانب أخر، هناك من ينظر في دواخل النفس البشرية ليسبر مواطن جمالها، فالصدق والوفاء والحياء كلها صفات تضفي جمالاً علي من يتحلي بها ولا يفرق في ذلك بين رجل أو إمرأة.
وماتزال هناك إلي يومنا هذا جدليات واسعة جداً بين فلاسفة الشرق والغرب للربط بين الفن والجمال أو القيم والجمال. ومع ذلك فلا شك أن الجمال الحقيقي في عين كل راءٍ دون التقيد بأية مفاهيم فلسفية.