سخر الله لنا الكائنات من حولنا ليس لخدمتنا فقط، وإنما كي نتعلم منها ونقتدي بها كذلك. ولا عجب، فقد اقتدينا بالغراب في دفن موتانا، واقتدينا بالجمل في الصبر وقوة التحمل، والكلب في الوفاء، وسنابل القمح في العطاء والبركة (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبة مئة حبة)، والنخل في الترفع عن السوء وقول السوء (ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء).. وغير ذلك من الأمور التي تنبهنا إلي أهمية التأمل فيما خلق الله فينا ولنا والاستفادة من ذلك في حياتنا اليومية.
واليوم أنقل إليكم ما تعلمته من تأملات الكاتب الأرجنتيني خورخي بوكاي في قصته الرائعة (الفيل المصفد في الأغلال): في عيادته الخاصة يستقبل المحلل النفسي بوكاي الشاب ديميان الذي يخشي التعبير عن مشاعره الداخلية خشية أن يُرفض أو يُطرد أو يُحرج من الآخرين. يشعر ديميان بالعجز ولا يدري ما يفعل. يستمع بوكاي للمشكلة التي تؤرق فكر الكثير منا..
الخوف من.. التعبير عما يدور بداخلنا
يعدل بوكاي من جلسته ويعرض علي الشاب أن يقص له قصة قصيرة، ودون أن ينتظر رداً من ديميان يشرع في الحكي: “.. يتعجب بوكاي الطفل ضخامة الفيل وقدرته علي اقتلاع الأشجار من جذورها، وعجزه في ذات الوقت عن الفكاك من السلسلة التي تقيد أقدامه في السيرك أو في حديقة الحيوان!!! يظل اللغز المحير يشغل عقل وفكر بوكاي إلي أن يلتقي في ذات يومٍ بأحد الخبراء المتخصصين في سلوكيات الحيوانات فيخبره بأن الفيل مر بتجربة قاسية عندما كان صغيراً جداً: يؤتي بالفيل حديث الولادة ثم تُربط أقدامه الصغيرة الضعيفة بسلسلة قوية مشدودة إلي وتد مثبت جيداً في الأرض، ثم يترك طيلة الليل يحاول الفكاك من هذا الأسر فلا يستطيع. وفي اليوم التالي يأتي مدرب الأفيال ويحكم الربطة أكثر فأكثر، ويتابع الفيل محاولة الفرار مرة تلو الأخري فيفشل كذلك..
يستمر الأمر هكذا عدة أيام إلي أن يترسخ في ذهن الفيل أنه “لا يستطيع” مهما حاول أن يفلت من تلك السلسة.. نعم، الفيل يعلم جيداً مدي قدرته علي اقتلاع الأشجار وحمل أطنان من الخشب و غيره بخرطومه القوي جداً، لكنه سيظل حبيس الفكرة اليائسة البائسة: لا أستطيع.. لا أستطيع!!
وهكذا يا ديميان ويا كل ديميان، لم يكن علي الفيل إلا أن يعلم جيداً أن عليه اختبار قدراته ومهاراته باستمرار وأن يتحرر من الشخص القديم الذي لم يستطع في يوم من الأيام فعل أمر بات سهلاً عليه الآن.
[…] العمل، وافتقاده إلي تقدير واهتمام من حوله. يتفكر “بوكاي” في المسألة قليلاً قبل أن يشرع في قص ما حدث بين […]